فلسطين..القدس بين الاقوال وصمت الافعال

تكثر في هذه الايام المؤتمرات واللقاءات الخاصة بمدينة القدس ، سواء كانت على المستوى المحلي او العربي او حتى العالمي ، وتنشط خلالها تجارة الكلمات ، وسوق الاقوال وصنع الخيال ، والكل يحمل سيفه داعيا الى العمل والانجاز .
وتتراكض الالوية والجيوش وحماة الديار الى ميكروفاناتهم كالمعتاد ، تسبقهم الكاميرات والمحطات الفضائية ، يلقون خطبهم العصماء على جسد القدس المذبوح لمدة لا تزيد عن عشر دقائق ، وبعدها تتوجهم الكاميرات ابطالا للقدس وملوكا على عرشها . اما هؤلاء المقدسيون المرابطون والمناضلون الصابرون في التحام مع الارض والحجر ، في حي كحي الشيخ جراح مثلا، ذلك الجرح النازف في مدينة القدس يقاوم سكانه بابسط ما لديهم افعال التهجير والمصادرة التي يفرضها الاحتلال الاسرائيلي ، يقضون الليل والنهار في خوف دائم من فكرة الترحيل ، هؤلاء العظماء ينساهم التاريخ وتطوى صفحات حكايتهم . فسكان هذا الحي عاشوا فيه احلى ايام حياتهم وذكرياتهم ، الى ان استيقظوا ذات صباح ، ليجدوا انفسهم قد اخرجوا من بيوتهم بالقوة ، وجدوا انفسهم يسكنون خيمة ، يلتحفون الارض والسماء ، يشربون من دموع الالم ، ويأكلون الصبرعلى احلامهم الضائعة ، مسافة صغيرة جدا تفصلهم عن جدار البيت ، ينظرون اليه بنظرة الشوق والعشق ، ينظرون في اسى الى شمعدان ، وعلم اسرائيلي مرفوع على سطح البيت ، كخنجر مغروس في الظهر ، قاوموا بفعل الكلمة والموقف ، وقاتلوا بكل ما لديهم من كرامة وكبرياء ، ناشدوا كل العالم للوقوف بجانبهم ، القانونيين العرب ، ومؤسسات حقوق الانسان ، والامم المتحدة ، والمسؤولين واصحاب الضمائر الحية ، وغيرهم ، وما كان من اصحاب الاقوال ، الا التضحية بلسانهم المعسول ، وتقديم القرابين على ارواح المعذبين لعشرة دقائق ايضا ، يرتدون بدلاتهم السوداء وربطات العنق تسبقهم سياراتهم الفخمة ، ومحطاتهم الفضائية ، في رحلة الشهرة والمجد التي بنيت على حجارة البيوت المسروقة .
والوضع العربي ليس افضل بكثير، فانا اشعر بالفرح الكبير كما يشعر به غيري على الاكيد حينما نسمع ان احد الاثرياء العرب قد قام بدفع ملايين الدولارات ولربما اكثر من ذلك لفنانة او مغنية او راقصة من اجل ان تنظر في وجهه فقط ، وتنتابني البهجة والسرورحينما يقومون بالتخلي عن طائراتهم المدنية والعسكرية من اجل اهدائها الى احدى الجميلات ، وقد لا استغرب ابدا اذا اصبح جل اهتمامنا كيف كانت حفلة تلك المغنية وكم عملية تجميل قامت بها ، وكم باروكة شعر استخدمت ، وقد لا اندهش اذا شنت حرب عسكرية من اجل عدسات عيونها اللاصقة ، ولكن حين تصادر المقدسات في فلسطين ، و يهجر السكان من بيوتهم في مدينة القدس ، يصبح التغني في القدس وفي عروبتها شعارا ، ويتسارعون في تحضير جيوشهم لتحرير مدينة القدس من خلال الاعداد الى قمة عربية ، وفي القمم العربية يتسارعون في اظهار حبهم لفلسطين ، فيختلفون في تسميتها فتارة قمة القدس ، وتارة قمة فلسطين ، وحينما تعقد القمم يتسارعون في رغبة شرسة في كيفية اهانة الشعب الفلسطيني كله ، ويتبارون في توجيه اللوم ووضع التبريرات ، ويتنافسون من هي القمة الافضل في الاساءة الى كل ما هو فلسطيني ، وحينما يقررون دعم الشعب الفلسطيني الصابر والمرابط يقطعون يدهم ويشحدون عليها ، ويلملمون ما في جيوبهم من اجل نصرة القدس ومقدساتها .
دعونا نصمت قليلا ، ولنكف عن اطلاق الشعارات والخطابات الرنانة والقدس تسيل دماؤها على بواباتها كل يوم ، وقلب القدس النابض يبحث عن عاشقيه واحبائه حتى يستمد منهم الحياة .
ايها الراقصون على الجراح ، ويا اصحاب الابواق الصامتة كفاكم